وأما إذا كان الإنسان حتى في مواضع الغفلة يذكر؛ فهو يحاول أن ينشر الإيمان الذي في قلبه، وينشر الخير والمعرفة واليقين حتى في أكثر المواضع غفلة، ومن هنا يصدق قول عائشة رضي الله تعالى عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أنه كان يذكر الله على كل أحيانه ) فيذكر الله وهو يجاهد، ويذكر الله عند طعامه، وإذا قام عن الطعام، ويذكر الله عند دخول الخلاء، وعند الخروج منه، وعندما يغشى أهله، وعندما يجد إنساناً يقول له: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وهذا من ذكر الله، وعندما يقوم عن الناس فإنه يسلم أيضاً، وهم جالسون يذكرون الله عز وجل، وإذا سئل عن أهله وولده قال: الحمد لله، وهذا من فضل الله ونعمه، ولو سئل عن دنياه: كيف هي الأموال عندكم؟ وكيف حال الشغل، والبضاعة؟ قال: الحمد لله، هذا من فضل الله.
فالمهم أن يذكر الله على كل أحيانه، فهذا هو المؤمن المقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن رأى ما يقربه من الله وتزيده رؤيته قرباً وشوقاً إلى الله فذلك أحرى أن يذكر الله، وإن رأى الغفلة وما يقسي القلب فمما يتقوى به على مقاومة هذه القسوة أن يذكر الله، وإن رأى فتنة من فتن الدنيا: إما من المتبرجات، أو من فتن الدنيا الأخرى فإنه يستعين بذكر الله على هذا القلب؛ حتى لا يفتتن بشيء من الدنيا، ويعلم أن هذه الدنيا إذا جردت من ذكر الله فإنها بجميعها -من أولها إلى آخرها- لا تعدل عند الله جناح بعوضة، ولو كانت تساوي عنده جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء.
ولهذا قال بعض العلماء شعراً:
والله لو كانت الدنيا بأجمعها             تبقى علينا ويأتي رزقها رغداً
ما كان من حق حر أن يذل لها             فكيف وهي متاع يضمحل غدا
أي: لو كانت الدنيا هذه تبقى دائماً، ويأتي رزقها رغداً، وكانت عوضاً وبدلاً عن الجنة؛ فهي لا تستحق ذلك، فكيف وهي بهذه الضآلة، وكيف هذا وهي لا تدوم! فمتاع الدنيا قليل لا يذكر.